2020/02/07 {استعينوا بالله واصبروا ..}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) } الأحزاب .أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار ، وبعد ، عباد الله :
 
{ استعينوا بالله واصبروا ..}
 
حقيقة الإيمان الاستسلام لله تعالى تعبداً ورقا ، مع اطمئنان القلب على كل حال ، في السراء والضراء ، واليسر والعسر ، وعجباً لأمر المؤمن ؛ فإن أمره كله له خير ، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر الله فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، ففي حال السراء واليسر يعلم أنه فضلٌ من الله ، فيشكر له سبحانه ، وفي حال الضراء والعسر يتقي الله ويصبر ، فلا يجزع ، بل يتفكر في قاله وأعماله وسائر أحواله ، فإنه ربما أساء والله يجازيه بالإساءة ؛ وعند ذلك يندم ويتوب ، ويقلع ويرجع ، ويستغفر ويحسن ، وربما كان للابتلاء وللتمحيص فيصبر ويحتسب ، طلباً لما يعلم من حميد العاقبة عند الله ، وهو في ذلك يتأسى بالصالحين من قبل ، قال الله تعالى في سورة الشورى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) } ،  وفي الحديث المتفق عليه روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ ، وَلاَ حَزَنٍ ، وَلاَ أذَىً ، وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ " ، وما نلاقيه في بلادنا لا يخرج عن ذلك ، فما كان من خير فهو فضلٌ من الله على ما كان من الإحسان منا ، وأعلاه الإيمان به - جل وعلا - وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، واهتداؤنا بالصراط المستقيم ، وتواصينا بالحق وتواصينا بالصبر ، وما كان من تسليط محتلٍ ؛ ولا من ضيق عيشٍ ، ولا من تبجح سفيهٍ ؛ إلا بما اقترفت أيدينا ، فقد قصرنا في جنب ربنا ، ونقصنا من جنب سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فظلمنا أنفسنا فأحدثنا في ديننا ما ليس منه ، وأشده تنازعنا واختلافنا ، وهذا التخاصم بيننا والتنابز بالألقاب ، والتنافس على الدنيا ، وقطيعة الرحم ، وإساءة الجوار ، ولولا رحمة الله لنا ولولا لطفه بنا لهلكنا .
أيها المؤمنون ، يا أهل فلسطين :
ما أشد حاجتنا اليوم وقد دنست مقدساتنا ، وديست كرامتنا ، وانتهكت أعراضنا ، أن نعود إلى الله ، والعودة إلى الله بأن نعود إلى أنفسنا من أجل الله ، فنؤت كل ذي حق حقه ، ألا فلنبادر إلى التوبة بالإقلاع عن الظلم ، والإحسان بدل الإساءة ، ورد المظالم إلى أهلها ، والندم على ما أذنبنا ، والعزم على أن لا نعود ، وأن نوطن أنفسنا على على الإعلان بالتوحيد لله وأن نستقيم ، فالله تعالى يقول في سورة فصلت : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) } ، وفي الحديث عند الإمام مسلم في صحيحه عن سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه - قال : (  قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك ، قال :  " قل : آمَنْتُ بالله ، ثم استقم " ،
ولا يتحقق توحيدنا لله وإيماننا به -يا عباد الله- إلا أن نستقيم على صراط المؤمنين الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، السلف الصالح السابقون الأولون ، النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والتابعون لهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، قال الله عز وجل في سورة التوبة : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } ، فتخلق بأخلاقهم الكريمة ، في العبادة والمعاملة والسلوك الحسن ، خالصاً لوجه الله تعالى ، مهتدين بما قال سبحانه في سورة فصلت : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) }  ، وحينئذٍ يكرمنا الله بطاعتنا رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعنا إياهم بإحسانٍ كما أكرمهم ، فتتنزل الملائكة علينا بالتثبيت والتأييد والنصر إلى يوم القيامة .
عباد الله : ندعو الله موقنين ، ربنا لك الحمد أنت أهل التقوى وأهل المغفرة ، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .
الخطبة الثانية
الحمد لله كما يليق لجلاله ، وينبغي لكماله ، كثيراً طيبا ، والصلاة والسلام على محمدٍ نبينا وآله وابلاً صيبا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد ، أيها الناس ، يا عباد الله:
لنا نحن المؤمنون المستضعفون أهل فلسطين وللمحتل في قصص القرآن عبرة ، تثبيت وبشارة للمؤمنين ، وتهديد ونذارة للكافرين ، ومن قصص موسى عليه السلام وقومه - وقد تجبر فرعون عليهم وقد غرته قوته من ناحية ؛ وغره ضعفهم من ناحية أخرى ، ظالماَ لهم وباغياً عليهم ، قال سبحانه في سورة الأعراف : { وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}، ولذلك لا ينجينا من الظلم والبغي إلا أن نستعين بالله ، ونصبر ، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، ولا تكون الاستعانة إلا بالعبادة الخالصة توحيداً الله ، ولا سيما الصبر والصلاة ، وذلك بهدايته سبحانه الصراط المستقيم ، كما في الفاتحة إياك نعبد وإياك نستعين ، وكما في قوله تعالى في البقرة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } ، ومهما طال الزمن فالنصر للمؤمنين المتقين ، وفي مسند الإمام أحمد من طريق سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 
" تقاتلكم يهود، فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي، فاقتله " . 
فعلينا بتقوى الله بالاعتصام بحبله جميعاً .
عباد الله .. ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :{إناللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. ألا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى ، والرسول المرتضى صفوة الخلائق أجمعين ، سيد الأولين والآخرين ، من بطاعته صلاحُ الدنيا وزكاةُ الدين ، محمدٍ بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنه وكرمه سبحانه إنه أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وانصر بفضلك عبادك المؤمنين ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة ، وولي أمرنا في بلدنا خاصة ، اللهم أعنه على ما تحب وترضى ، وأيده بالحق والعدل ، وارزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالخير وتحثه عليه ، وجنبه البطانة الفاسدة التي تأمره بالشر وتحثه عليه ، اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ويسر أمورنا واشرح صدورنا ، اللهم انا ندعوك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا ، اللهم انا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وعضال الداء وشماتة الأعداء ، اللهم أغننا من الفقر واكسنا من العري واهدنا من الضلال وبصرنا من العمى واجعلنا من الراشدين ، اللهم انا نعوذ بك من الجبن والبَخَل والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال ، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً ، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع  وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاً لا يسمع ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأجدادنا وجداتنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا وأقرباءنا وقريباتنا وجيراننا وجاراتنا والمسلمين أجمعين اللهم آمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع