2019/11/22 {من أين وكيف نبدأ الإصلاح؟!}
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} الأحزاب .أما بعد،فان أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد، عباد الله ، أيها المسلمون : 
 
{ من أين وكيف نبدأ الإصلاح ؟!}
 
الإسلام يسمو بالمسلم إلى أعلى الدرجات بهدايته للتي هي أقوم ، ولذلك فمن لامس الإيمان قلبه اطمأن فاستقام على الصراط الأكرم ، والعاقل من استبصر لرجله قبل الخطو موضعها ، وعرف لنفسه قبل التقدم موقعها ، وأخذ الأهبة ، وأعد العدة ، فإن لكل مقامٍ مقالا ، ولكل عملٍ مآلا ، وقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين مع التقوى بالقول السديد ، فهو الذي تصلح به الأعمال ، وتغفر لنا الذنوب ، وتفرج عنا الكروب ، وتفتح أبواب السماء بالبركات والرحمات ، وينجو المؤمن من النار ودركاتها ، ويفوز بالجنة عند الله ودرجاتها ، فطوبى لمن عرف الصواب فعاد عن الخطا ، وتاب فأتبع الإساءة بجليل العطا ، فالله يتوب على من تاب ، ويغفر لمن خر راكعاً وأناب ، فليس للعبد من الحساب مهرب ، ولا في المكر والخداع قضاء مأرب ، فإن ربك لبالمرصاد ، وهو مؤاخذٌ من يسعى بين الناس الفساد ، فأين يا أُخيَّ بالله قوم عاد ؟! ..وقوم فرعون الذين طغوا في البلاد؟! .. فالظلم مرتعه وخيم ، وضرره على صاحبه قبل غيره خطيرٌ وجسيم ، وقد أصابنا من البلاء والكرب العظيم ، وعاد علينا به من صنوف النكال والوبال ما الله به عليم ،ولكن نور الهداية لنا لائح ، فهذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الصراط المستقيم الواضح ، على بركة الله فلنغدوا ، وليكن الأمر شورى والحقوق قضاء ، لا ظلم ولا استبداد ، فمن استبد برأيه ضل ، ومن ظلم فقد زل ، ولن ينفع هذا ولا ذاك - بعد اليوم - عسى ولا لعل ، والأيام بين الناس دول ، فإن عفي عن الأولى فلن يعفى عن الآخرة ، ولابد عندها من المؤاخذة ولا ينفعها تلك النفوس الفاخرة . 
عباد الله ، يا أيها المسلمون :  
كثيراً ما ينبري المتصدون لهذا العمل الجليل وبحسن نواياهم للمناداة بـ ( من أين وكيف وبماذا نبدأ الإصلاح ؟! ..)  يطالبون الناس من حولهم ، ولكنًّ كثيراً منهم ينسون أنفسهم ، إذ أنه ليس أحدٌ منزهاً عن الخطأ إلا الله تعالى ثم أنبياؤه عليهم السلام ثم الأمة في مجموعها ، أما الجماعات والأفراد فهم معرضون للخطأ والصواب ، والإصلاح لا يمكن أن يتم إلا بالصَّلَاح ، فلنبدأ الإصلاح بإصلاح أنفسنا قبل أن نطلبه من الآخرين ، إذ أنه لا يكونُ المصلح مصلحاً في الحقيقة إلا أن يكون صالحاً في نفسه ، والسؤال الحقيقي : كيف يُصْلِحُ من ليس بصالح ؟! .. ، قال الله تعالى في سورة البقرة : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) }.والمصلح حريص ٌعلى قبول الآخرين منه ، وقناعتهم بما يبديه ويدعو إليه ، لأن القبول وليد الاقتناع ولا يتم ذلك له إلا بالتواضع وعدم الاستعلاء على الناس ، بأن يساوي بين نفسه وبين غيره ليُقْبَلَ منه ، فقد أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في خطابه المشركين بقوله في سورة سبأ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)}. فالصلاح والإصلاح سببٌ للنجاة في الدنيا والآخرة .وبه يقوم العدلُ ، وينتفي الظلمُ بين الناس ، يقول تعالى في سورة هود : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} ، قال الإمام السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ( أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن تفسير هذه الآية { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأهلها يُنْصِفُ بعضُهم بعضاً " . وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوىء الأخلاق عن جرير موقوفاً ) اهـ.
عباد الله ، أيها المسلمون :  
علينا في الحياة الدنيوية مراعاة أمرين لا تستقيم ولا تصلح أعمالنا الدينية والدنيوية إلا بهما:
الأول : 
الاهتداءُ بالشريعة ، والاستقامةُ على صراطها ، ففيه الصدق والحق والإصابة ، ويكون بلزوم ما اجتمعت عليه الأمة ، وبلا نكير منك لتزكية نفسك ، ولا خلاف ، قال الله تعالى في سورة النجم : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) }،  فاترك يا أخي رأيك واجتهادك والزم ما اجتمعت عليه الناس ، وإياك والخروج ، فهذا مذهب الخوارج وهو المفضي اليوم إلى اللعن والتكفير والتفجير وسفك الدماء ، وأحسن الظن بالمسلمين ما استطعت ، فهم شهداء الله في أرضه ، وهم السواد الأعظم ، قال الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة : (... السواد الأعظم ، والجمهور الأضخم ، فيهم العلم والحكم ، والعقل والحلم ، والخلافة والسيادة ، والملك والسياسة وهم أصحاب الجمعات والمشاهد ، والجماعات والمساجد ، والمناسك والأعياد والحج والجهاد  ، وباذلو المعروف للصادر والوارد ، وحماة الثغور والقناطر ، الذين جاهدوا في الله حق جهاده ، واتبعوا رسوله علي منهاجه ، الذين أذكارهم في الزهد مشهورة ، وأنفاسهم علي الأوقات محفوظة ، وآثارهم علي الزمان متبوعة ، ومواعظهم للخلق زاجرة ، والي طرق الآخرة ، داعية فحياتهم للخلق منبهة ،  ومسيرهم إلي مصيرهم لمن بعدهم عبرة ، وقبورهم مزارة ، ورسومهم علي الدهر غير دارسة ، وعلي تطاول الأيام غير ناسية ، يعرف الله إلي القلوب محبتهم ، ويبعثهم علي حفظ مودتهم يزارون في قبورهم كأنهم أحياء في بيوتهم ، لينشر الله لهم بعد موتهم الأعلام ، حتي لا تندرس أذكارهم علي الأعوام ، ولا تبلي أساميهم علي مر الأيام ، فرحمة الله عليهم ورضوانه ، وجمعنا وإياهم في دار السلام ) اهـ .
والأمر الثاني : 
مراعاةُ السنن الكوني والطريق الإنساني في العمران البشرى ، لأنه هامٌ وضروريٌّ للحياة البشرية في كل زمانٍ وفي كلِّ مكان ، كأهمية وضرورة الطعام والماء والهواء ، لا يمكنُ العيشُ دون ذلك ، وهو واجبٌ لأحوالنا كلها ، سواءً ما تعلق بالأفراد أو بالمجموع ، في الاجتماع ، وفي التربية  ، وفي الإدارة ، وفي السياسة ، وفي التعليم ، وفي الاقتصاد ، وفي غير ذلك من أمور الحياة ، بل وفي المفاهيم والقيم التي تنبني عليها وبها المجتمعات .
عباد الله : بالدعاء الخالص مع التسديد يصلح العمل ، اللهم رضينا بك ربا، وبالإسلام دينا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ورسولا ، اللهم فاغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، وفرج كروبنا ، إنك سميع الدعاء يا غفور يا رحيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .  
الخطبة الثانية 
الحمد لله سبحانه المنعم بما لا يحصى عداً ولا شكرا ، وهو جل وعلا أحق بأن يعبد وحده  عرفاناً وذكرا ،  أوجدنا امتناناً علينا بلا حقٍ لنا عليه واجب فهو القوي ، وهدانا بلا جزاءٍ منا له فهو الغني  ، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى من سائر الناس على الخلائق أجمعين ، وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأخيار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد ، أيها الناس عباد الله : 
والمصلح يكون بين الناس ، وظيفته الهداية للخير والدلالة عليه ، وسبيله العلم النافع والعمل الصالح ، يبدأ بنفسه وأهله قبل غيره ، القيادة الصالحة بالقدوة الصالحة ، لأن الناس يتأثرون بالعمل أكثر من تأثرهم بالقول ، بل ويزنون قول الإنسان بعمله فإذا تطابق العمل والقول أخذوا وإلا تركوا ، ويخطئ من يظن من المصلحين في زعمه أنه يريد إقامة الحجة على الناس بل الله هو الذي له الحجة البالغة ، ليس في حاجةٍ لأحدٍ من الناس ليقيم حجته على خلقه ، بل إن المصلحين يسعون لتحصيل الهدايات بتوصيل الأمانات ، وبلوغ القلوب والمهج ، بألطف الإشارات وأرق العبارات ، وانظروا ما قاله نبي الله شعيب عليه السلام في قوله تعالى في سورة هود عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) } ، المصلح يفعل ذلك ليزين الناس ويسد خللهم ، لا ليشينهم ويكشف عوراتهم ، خرج الإمام أحمد من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوارتهم فإن من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته " ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الغيبة فقال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان فيه ما أقول فقال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " . 
عباد الله :
 فلنتخذ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم درباً ومسلكا ، وطريقاً ومنهجا ، فنكون معه يوم القبامة ، ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولأعمامنا والعمات ، ولأخوالنا والخالات ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع