2015/07/24 { رقيُّ الأُمم في اسْتِنْهَاضِ الهِمَم }
الاســتمـاع للــخـطبـة:     
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }  النساء1 ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)  }الأحزاب .
أما بعدُ، فإن أصدق الحديث كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، وبعد ، عباد الله ، يا أيها المسلمون :  
 
{ رقيُّ الأُمم في اسْتِنْهَاضِ الهِمَم }
 
معالي الأمور مبدؤها ذوو الألباب الأخيار ، تعتمل في العقول بجليلِ الأفكار ، فتصبح ُقوةً في العزائم وصدقاً في الإرادات ، تتحول إلى عملٍ محبوكٍ صالحٍ ظاهر ، ودربٍ مسلوكٍ واضحٍ سافر ،  فيكون أولئك الأخيار بأعمالهم مع أقوالهم هم القُدْوَةَ والقادة ، ويصبحون بحكمتهم مع استقامتهم هم ذوي الألباب السادة ، فتستجيب لهم سائر جماعات الأمة بقضها وقضيضها ، وتُسْلِسُ مُسَلِّمةً لهم قِيادَها بعَدِّها وعَدِيْدِها ، وعندئذٍ تَرْقَى عظيمُ الأمم حين تُسْتَنْهَضُ الهمم ، بإصلاح فساد الذمم ، فتندفع الهمم العاليات لتحقيق المرادات الغاليات ، وتنطلق بأعمال المكارم النفوس الكرائم ، فما من فلاحٍ ولا نجاحٍ مع الإخلاد إلى الأرض ، ولا عزٍ ولا تمكينٍ مع تضييع السُّنَّةِ والفرض ، والحذرَ الحذرَ من وُلوجِ الشبهات ، واتباعِ الشهوات ، فكلٌّ منهما مُزْلِقٌ مُهْلِكٌ ، ومَوْرِدٌ مُرْدٍ ، وصدق من قال : الشرفُ بالهمم العالية لا بالرمم البالية .
على أنه لا يرتفع عظيمُ البناء إلا على متين الأساس ، وقد أسس أجدادنا وآباؤنا البناء من قبلُ وبهم عَظُمَ و ارتفع ، لكن ضَيَّعَ منا من ضَيَّعَ ، فتهدم ولم يَنْقَضْ ، فلنُعِدْ ما انْهَدَم فالأصل ثابت والفرعُ في السماء بإذن الله .
وفي الحديث قال صاحب المستدرك : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنبأ محمد بن عيسى بن السكن الواسطي ، ثنا داود بن عمرو الضبي ، ثنا صالح بن موسى الطلحي ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
" إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " .
 وقد صححه الحاكم وحسنه الألباني.   
أيها الإخوة المسلمون : 
مما يبعث فينا قوةَ الهمة وسموَّ الروح أن الله أحسنَ خَلْقَنا وأكرمَ خُلُقَنا ابتداءً : فلقد جاءنا الوحي من القرآن العظيم والسنة المطهرة يستنهض فينا أصيلَ الخُلُقِ الكريم ، والهَدْيِ السمحِ القويم ِ، الذي هو فرعٌ من الأصل ، ومن المعلوم أن كرم المخلوق دليلٌ على كرم الخالق ، وأن جمال وكمال الصورة يعلم بجمال وكمال السريرة ، فقد خلقنا الله في أحسن تقويم ٍعلى الفطرة القديمة ، والسيرة المستقيمة ، وفي سورة التين قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) } .  وهذا يتجلى في أمرين :
* الأول : أصلنا واحدٌ أبونا آدم ، وأمنا حواء ، ونصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة تعلن مصرحةً أن الناس جميعاً يتساوون في أصل خلقتهم ، وقد خلقهم الله سبحانه أسوياء من أصلٍ واحد ، قال الله تعالى في سورة النساء :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) }، أما قوله جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ } فهو تذكير بالعبودية الخالصة لله تعالى، وفي قوله : { الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } تذكير بالأصل الجامع للناس فكلهم أبناء آدم وحواء فهم إخوة بعضهم لبعض ، وهذا يقتضي الشعور بالمساواة والعدل بينهم ، ثم ختم الله تعالى بقوله :{ وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ليقرر هذا المعنى ولتتأكد هذه الحقيقة في الواقع الاجتماعي بقوة الهمة واستنهاضها في الأمة بسمو الروح عن أوضار الدنيا وشهواتها ، ليُصَدِّق ذلك تَحَوُّلُه إلى سلوكٍ وعملٍ وخلقٍ يوميٍّ بين الناس ، يؤدي إلى استقرار المجتمع ورسوخه . 
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَمَنْ شَهد خُطْبَةَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أوَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , قال : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى ألا هَلْ بَلَّغْتُ ؟ قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ .." اهـ .
 * الثاني : خلقنا الله حنفاء مؤمنين غير مشركين  وفي صحيح الإمام مسلم رحمه الله قال :
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ وَابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ :
" أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا " .
أحبة الإسلام والإيمان ، مما يبعث فينا قوةَ الهمة وسموَّ الروح أيضاً :
* الاقتداء بسيرة الصالحين من الأنبياء والرسل و بمَنْ جاء مِنْ بعدهم من السابقين المهتدين  ، 
فإن تذكرَ وتذكيرَ الناس بذلك يدفعهم دفعاً إلى سلوك درب الفضائل ، والتنزه عن الرذائل ، ومن هنا جاءت هذه الآياتُ في سورة الأنعام هدايةً من الله لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده ليقتدوا بمن سبق من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام: 
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) } .
ومن التذكير بالآباء الصالحين في العلو بالهمة لاستنهاض الأمة قول الله تعالى نقلاً عن بني إسرائيل في سورة مريم ، وهي زوجة نبينا محمدٍ في الجنة عليه وعليها الصلاة والسلام  : 
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)} . 
يا عباد الله : ديننا سمحٌ فلنتبع ، وربنا يدعونا فلنسمع ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يبين لنا فلنَهْتَدْ ، والعلماء يذكروننا فلنَقْتَدْ، اللهم فاغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، وفرج كروبنا ، إنك سميع الدعاء يا غفور يا رحيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه سبحانه الغفور الرحيم .
 
 
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ، وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على محمد النبي المصطفى ، والرسول المرتضى ، وعلى آله الأصفياء ، وأصحابه الأتقياء ، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم اللهم آمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .أما بعد ، أيها الناس يا عباد الله : 
مما يقوي همتنا ويشد من عزيمتنا التذكر والتذكير بالآخرة ، والترغيب لما فيها من الأجر المقيم للمتقين ، والتخويف من عذاب النار للكافرين ، بخلاف نعيم الدنيا الزائل : ففي سورة الرعد قوله تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)  }.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في  تفسيره : ( يقول تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } الذين تركوا ما نهاهم الله عنه، ولم يقصروا فيما أمرهم به ، أي: صفتها وحقيقتها { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أنهار العسل، وأنهار الخمر، وأنهار اللبن، وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود، فتسقى تلك البساتين والأشجار فتحمل من جميع أنواع الثمار.{ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا } دائم أيضا، { تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا } أي: عاقبتهم ومآلهم التي إليها يصيرون، { وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟!! ) 
وفي صحيح البخاري في وصف بعض نعيم الجنة للمؤمنين قال رحمه الله : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 
" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ " .
أيها المؤمنون ، يا أهل فلسطين :
لقد كنا أجدادنا وآباؤنا في أمسهم من البدو الأجلاف ، فأصبحوا في يومهم من السادةَ الأشراف ، سَلِمُوا فأسلموا لما سَلَّمُوا ، وعَلِمُوا فعَمِلُوا وعَلَّمُوا ،  أخبتوا فأخلصوا ، وأحسنوا فَخُلِّصُوا ، فلتقو في الخير عزيمتنا ، ولتنهض في البناء همتنا ، ولنمض في إصلاح ذات بيننا ، فإصلاح ذات البين سياج عزنا المكين ، و يا أهل فلسطين لنسارع فنبدأ العمل ، فقد كثر القول ، وكثرة القول دون العمل تضعف الهمة ، وتوهن الأمة ، فلنتق الله في أنفسنا وشعبنا وما حملنا ، والله الهادي والنصير .  
ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال :  {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .... اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء ، وسوء القضاء وشماتة الأعداء ، وعضال الداء وخيبة الرجاء ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك ، وجميع سخطك ،اللهم اجعل رزقنا رغدا ولا تشمت بنا أحدا ، اللهم اشف مرضانا ، وفك أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، لما فيه إقامة دينك ،وتحكيم شريعتك ، وإتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم في صلاح البلاد والعباد ، وجميع ولاة أمور المسلمين ما فيه صلاح الدنيا والدين ، والبلاد والعباد ، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ،اللهم إنا نسألك أن تنصر الداعين إلى سبيلك على البصيرة ، اللهم احفظ المسجد الأقصى وأهله ومن حوله من براثن الصهاينة المعتدين المحتلين واجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، اللهم اغفر لنا وآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا وأعمامنا وعماتنا ، وأخوالنا وخالاتنا ، وأبنائنا والبنات ، وإخواننا والأخوات ، وأقربائنا والقريبات ، وجيراننا والجارات ، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات،سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك،عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ،   ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أنا العبد الفقير إلى الله الغني به عما سواه أبو عبد الله ياسين بن خالد بن أحمد الأسطل مواليد محافظة خان يونس في بلدة القرارة بعد عصر الأحد في 8ربيع الأول 1379 هجرية الموافق 21\9\1959 إفرنجية....

مــا رأيـك بـالـموقـع